سورة البقرة - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


إسرائيل: لقب يقعوب بن اسحاق بن ابراهيم، ومعنى اسرائيل. الأمير المجاهد، أو صفّي الله. وهناك من يرى أنه تعني (عبد ايل)، أي عبدالله، من فعل أسِر العبري، ورديفِه في العربية. اما إسحاق، فمن أصل (يستحك) العبري ومعناه: يضحك. وقد اعترض الكثير من علماء اللاهوت الاوروبيين على الستمية بصيغة (الفعل) حتى شكّوا في الأصل. وبنوه: ذريته، وهم الأسباط الاثنا عشر، ويسمَّون العبرانيين أيضا لعبورهم نهر الأردن. وهم منتشرون في العالم كله، حيث اختصوا بالنشاطات السهلة الكبيرة المردود، وكانوا يقدَّرون قبل الحرب العالمية الثانية بنحو 16 مليوناً، هلك منهم في الحرب نحو خمسة ملايين كما يزعمون. ويتكلم أكثرهم اللغة الإيديّة، وهي لغة أقلِّيَةٍ اساسُها الألمانية ممتزجة بكلمات عبرية، والعبرية لغتهم الاولى وهي احدى اللغات الساميّة.
ويبدأ تاريخهم المعروف باقامة فريق منهم في (غوش) في الشمال الشرقي من مصر، منذ عدة قرون قبل المسيح، أيام رمسيس الثاني، وكانوا زرّعا. وقد لاقوا في مصر بعض العنَت إلى ان خرج بهم موسى. وفي طور سيناء أبلغهم الوصايا العشر فلم يحفظوها. ثم تاهوا في الصحراء سنين عديدة قبل ان يستولوا على قسمٍ من ارض كنعان استقروا فيه.
وكانوا منقسمين إلى قبائل، على رأس كل احدة شيخ قبلي وكاهن يسمّونه القاضي. هذا هو نظام القضاة. ولقد حاربوا الفلسطينيين القادمين من كريت، بقيادة شاؤول. فهزمهم هؤلاء. ثم جاء داود ووحّدهم وانتصر بهم على اعدائه، وحقّق لشعبه السلام والرفاهية.
وعقبه سليمان الذي بنى أول هيكل. ثم انقسم بعده اليهود إلى اسباط الشمال بقياة يربعام، وكونّوا مملكة السامرة، وأسباط الجنوب تحت قيادة ابن سليمان وكونوا مملكة يهوذا.
ودارت الحرب بين المملكتين مدة طويلة، ثم استولى الآشوريون على المملكتين، ونفوا كثيرا من اليهود. ثم استولى عليهما المصريون، ومن بعدهم البابليون الذين هدموا الهيكل 586 ق. م. وأخذوا اليهود اسرى إلى بابل. وقد بقوا هناك حتى سمح لهم قورش الفارسي بالعودة، واعادوا بناء هيكلهم مرة أخرى سنة 516 ق. م. وفي العصر الهليني كانوا جماعة دينية لا كيان لهم، واستعادوا استقلالهم السياسي تحت المكابيين. ثم أدى النضال بين الفريسيين والصدوقيين، وهما من أهم الفرق اليهودية، إلى ان تدخّل الرومان الذين استولوا على البلاد من البطالسة وهدموا اورشليم سنة 70 م. وفي القرون الوسطى وقع على اليهود من قبل الاوروبيين اضطهاد شديد استمر حتى القرن الثامن عشر. لقد حُرّم عليم امتلاك الأرض، وممارسة كثير من المهن الحرة، ولم يُترك لهم الا التجارة الصغيرة وتسليف النقود. لذا تجمعت شراذمهم في أحياء خاصة بهم. وقد طرد كثير منهم من فرنسا وانجلترا واسبانيا والبرتغال، ولجأوا إلى هولندا وبلاد الإسلام حيث عاشوا آمنين.
ثم أخذت الرأسمالية بيدهم في القرن الثامن عشر للميلاد وأصبحوا وراء الأعمال الاقتصادية الكبرى.
وقد أدى تحررهم التدريجي إلى ظهور تيارين متعارضين في أوساطهم، أولهما يدعو إلى رسالة ثقافية، وعلى رأسه موسى مندلسون، والثاني يدعو إلى رسالة سياسية هي الصهيونية، وعلى رأسه ثيودور هرتزل 1896. وقد نشط التيار الثاني وسعى معتنقوه إلى المطالبة بدولة يهودية في فلسطين حتى نجحوالا في ذلك بمساعدة الدول الغربية المسيحية، وما مساعدتها هذه الا حركة امتداد للحروب الصليبية الغابرة.
هكذا وُجدت الحركة الصهيونية الرامية إلى أقامة دولة يهودية على غرار الدولة القديمة التي قضت عليها روما. وقد سعى زعيمها هرتزل سعياً حثيثاً لجمع المال والرجال وعقّد أول مؤتمر لجماعته في مدينة بال بسويسرا وفي ذلك المؤتمر قال هرتزل: (الآن خُلقت دولة اسرائيل)، فقد قرر المؤتمرون تكوين منظمات صيهونية في البلاد التي يقطنها عدد كاف من اليهود. وقام بأمر الصهيونية من بعده زعماء آخرون أمثال ماكسي نوردو، وحاييم وايزمان. وتعاقبت مؤتمارتها، وتحمس لها يهود شرق اوروبا، وأمداها يهود امريكا بالمال.
وتطلعت الصهيونية إلى فلسطين. ثم جاء وعد بلفور، الوزير الانجليزي، سنة 1917 الذي سمح لليهود ان يكون لهم وطن قومي في فلسطين فعزز آمال الصهاينة. ومن ثم بدأت هجرة اليهود إلى فلسطين سنة 1923 وزادت في عهد الانتداب الانجليزي بالتواطؤ، وقد شجّعت على ذلك حركات الاضطهاد في أوروبا كالحركة النازية.
وفي سنة 1945 أوقف الانجليز الهجرة، ولكن بعد أن أصبح عدد اليهود في فلسطين خطرا على العرب. ثم كانت المشلكة الفلسطينية الكبرى التي عُرضت على هيئة الأمم، فقررت تقسيم فلسطين بين العرب واليهود في 14 يونيه 1948.
ولم يقبل العرب هذا التقسيم لأنه هدرٌ لحقهم في وطنهم، ورغم ذلك أُعلنت الدولة اليهودية في ذلك التاريخ. وقامت الحرب بين أهل فلسطين واليهود حتى دخلت جيوش الدول العربية. ولم يكن العرب على استعداد للحرب اما اليهود فكانوا قد أعدوا كل شيء، بفضل الدول الغربية. لذا أخذوا أكثر من القسم الذي خصصه لهم قرار التقسيم.
ولا تزال الحالة متوترة والحرب قائمة ولن تهدأ حتى يسترد الفلسطينيون حقوقهم كاملة. والله نسأل ان يلهمنا رشدنا ويوحّد صفوفنا بقوة من عنده. ولابد من نصرِنا عليهم طال الزمن أو قصر.
بعدن استعرض سبحانه وتعالى في أوائل هذه السورة الكتابَ الحكيم وانه لا ريب فيه، بيّن أصناف البشضر من مؤمن وكافر ومنافق، ثم طالب الناس بعبادته. ثم اقام الدليل على أن الكتاب مُنزل من عند الله على عبده محمد وتحدى المرتابين ان يأتوا بمثله. ثم حاجّ الكافرين. ثم ذكر خلق السماوات والأرض، وان جميع ما في الأرض من منافع هي للإنسان.
وهنا خاطب الشعوب والأمم التي ظهرت بينها النبوة، فبدأ بذِكر اليهود لسببين:
الأول أنهم أقدم الشعوب التي أُنزلت عليها الكتب السماوية، والثاني لأنهم كانوا أشد الناس حقداً على المؤمنين في المدينة المنورة. كان اليهود في المدينة وشمال الحجاز، في خَيبر وغيرها، يكيدون للاسلام، ويوغرون صدور المشركين على النبي والصحابة، فذكّرهم الله تعالى بنعمته عليهم إذا جعل النبوة فيهم زمناً طويلا، وطلب اليهم القيام بواجب شكرها وكأنه يسألهم أن أوفوا بوعدي الذي أخذتُه علكيم وأقررتموه على أنفسكم وهو الايمان والعمل الصالح والتصديق بمن يجيء بعد موسى من الأنبياء حتى أوفي بوعدي لكم، وهو حسن الثواب والنعيم المقيم.
وهذه الآية تشير إلى وجوب وفاء كلا المتعاقدين بما عليه من التزام، فاذا أخلّ احدهما بالتزامه سقط وجوب الوفاء عن الآخر.
ان عليكم يا أبناء يعقوب وذريته أن تؤمنوا بالقرآن الذي أنزلتُ مصدّقاً لما عندكم من كتب، واحذروا ان تسارعوا إلى جحود القرآن فتكونوا أول الكافرين به بدل أن تكونوا أول المؤمنين بهديه.
{وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً} أي لا تُعرِضوا عن التصديق بالنبيّ وما جاء به وتستبدلوا بهدايته هذا الثمن القليل الذي يستفيده الرؤساء من مرؤوسيهم من مالٍ وجاه، ويرجوه المرؤوسون من الحظوة باتباع الرؤساء خشية سطوتهم إذا ما خالفوهم. كذلك اتقوني بالإيمان، واتّباع الحق، والإعراض عن لذات الدنيا متى شغلت عن أعمال الآخرة.
{وَلاَ تَلْبِسُواْ الحق بالباطل وَتَكْتُمُواْ الحق وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} لا تخلطوا الحق المنزَل من عند الله بالباطل الذي تخترعونه من عند أنفسكم، ولا تكتموا الحق وأنتم تعرفونه حق المعرفة.
لقد بيّنت هذه الآية مسلكهم في الغرابة والإغراء... فرغم انه قد جاء في الكتب التي بين أيديهم تحذير متكرر من أنبياء كذَبةٍ يُبعثون فيهم ويجترحون العجائب، وجاء فيها أيضاً ان الله تعالى يبعث فيه نبياً من ولد اسماعيل وزوجه الجارية هاجر فقد ظلّ الاحبار يكذبون على العامل ويقولون: إن محمداً واحدٌ من اولئك الأنبياء الذين وصفتهم التوراة بالكذب. لقد ظلوا يكتمون ما يعرفون من أوصافه التي تنطبق عليه، وبذلك يحرّفون كثيرا من الكتب التي بين أيديهم.
وهنا أمَرهم الله تعالى أن يؤمنوا حقيقة وفعلاً، وأن يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة علّها تطهّرهم، ثم أن يركعوا مع الراكعين.. حتى يكون من المسلمين حقيقة.


لا يزال الكلام موجَّهاً إلى بني إسرائيل، وأحبارهم على الخصوص. لقد وبخهم الله على اعوجاج سيرتهم وفساد أعمالهم، فقد كانوا يتلون التوراة ولا يعملون بما فيها. كانوا يأخذون ما يوافقهنم ويتركون ما يعارض شهواتهم وأهواءَهم. وقد جاء في عدة مواضع من التوراة نبأ البشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، فحرّفوا هذه الباشرة وأوّلوها بما يوافق هواهم. حتى إن بعض احبارهم كان ينصح سراً بالإيمان بمحمد لمن يحب ولا يعمل بذلك.
{أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} يعني: ألا يوجد فيكم عقل يردكم عن هذه السفة؟
ومع ان الخطاب ليهود، وهذا حالهم، فإنه عامٌ وعبرة لغيرهم.
وبعد أن بيّنت الآيات سوء حالهم وأن عقلهم لم ينفعهم، أرشدتْهم إلى الطريقة المثلى للانتفاع بالكتاب والعقل والعمل فقال تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة}.. والصبر حبْسُ النفس على ما تكره. وقد حث الله على الصبر كثيراً في عدة آيات، وجعل أحسن الجزاء لمن صبر على الشدائد، وعن الشهوات المحرمة التي تميل اليها النفوس، وعلى أنواع الطاعات التي تشق على النفس. كذلك أمر بالاستعانة بالصلاة لما فيها من تصفية النفس ومراقبتها في السر والنجوى. وناهيك بعبادة يناجي فيها العبدُ ربه خمس مرات في اليوم! وليست الصلاة مجرد عبادة فحسب، بل هي انبعاث خفي لروح العبادة في الانسان، وأقوى صورة للطاقة التي يمكن أن يولّدها الانسان. واذا ما أصبحت الصلاة الصادقة عادةً فإن حياتنا ستمتلئ بفيض عميق من الغنى الملموس.
لذلك ورد الحث على الصلاة في كثير من الآيات. ان الصلاة قوة لا يقدّرها الا العارفون والملهمون. ولذلك قال تعالى: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخاشعين} أي أن الصلاة ثقيلة شاقّة إلا على المؤمنين ايماناً حقيقياً، الخاشعين لله حقا. {الذين يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} أي الّذين يتوقعون لقاءَ الله تعالى يوم الحساب والجزاء، فيجازيهم أحسن الجزاء على ماقدّموا من عمل صالح.


كرر الله تذكيرهم بالنعم التي أنعمها عليهم، ومن أكبرها انه فضهلم في ذلك على العالمين.. لأنهم أهل التوحيد فيما غيرهم أهل شِرك. كلنهم لم يشكروا هذه النعم، فوبخهم الله تعالى بقوله: {واتقوا يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ}، فبيّن لهم سمات ذلك اليوم الشديد الهول حيث يقف الناس للحساب وتنقطع الأسباب. آنذاك تبطُل منفعة الانسان، وتتحول سنّة هذه الحياة من انطلاق الإنسان واختياره ليدفع عن نفسه بالعدل والفداء أو الشفاعة عند الحكام. ان ذلك اليوم يختلف عن أمر الدنيا، وتضمحل فيه جميع الوسائل الا ما كان من عمل صالح.
{وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ} أي ليس لهم من يمنعهم من العذاب.
وقد كان اليهود يعتقدون ولا يزالون أنهم، بدعوى انتسابهم للأنبياء لا يدخلون النار أو لا تمسّهم النار الا أياماً معدودة لأن لهم الجاه والتأثير يوم القيامة، كما أن أحبارهم يشفعون لهم، بل يمكنهم ان يخلّصوا مجريهم بشتى الوسائل التي يستخدمونها في الدنيا.. فجاء الإسلام وسفّه هذه العقيدة وعلّمنا انه لا ينفع في ذلك اليوم الا مرضاة الله بالإيمان والعمل الصالح الذي يتجلى في أعمال الجوارح.
ونأتي إلى معنى شفاعة النبي عامٌ لا يخص بها أشخاصاً معينين، وهي كما قال ابن تيمية دعاء يدعوه النبي صلى الله عليه وسلم فيستجيبه المولى جلّ وعلا، وهذا خلاف ما يعتقده اليهود كما مر آنفاً، انطلاقا من دعوى أنهم شعب الله المختار استناداً إلى ما جاء في كتبهم من هراء وكذب.
القراءات:
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {ولا تقبل منها شفاعة} بالتاء.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8